الأربعاء، 20 مايو 2009

الاستشارات المستوردة


لست في هذه المقالة بصدد ذكر الآيات والأحاديث الدالة على أهمية الشورى ومكانتها في الإسلام فإن مثل هذا أزعم أنه لا يخفى على أمثالكم وقد عنونت لمقالتي هذه بعبارة ( الاستشارات المستوردة ) : وقصدت من ذلك تلك الاستشارات التي تكون من خارج المحيط الذي نعيشه أو هي تلك التي تأتيك من غير المختصين ، فأنت عندما تستشير طبيبا نفسيا بخصوص بناء مسكن لك ولعائلتك , أو أن تستشير أحد المهندسين المعماريين بخصوص ألم تعانيه في ساقك أو رأسك تكون بذلك ارتكبت نوعا من الحماقة التي لا تحمد عقباها .. وقد قال الشاعر :
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها
وهكذا في عملك الوظيفي فقد تستشير شخصا تثق به لا يعرف دقائق وأسرار عملك وما هو مترتِّب عليه من مصالح أو مفاسد ، فيجيبك بناءً على ما نقلته له من تصور , وقد تكون المصيبة أعظم ويزداد حجم فداحتها وانتشار ضررها عندما تضع المؤسسات والوزارات أشخاصا للرد على استفسارات موظفيها ينقصهم الكثير من الخبرة و التأهيل والتدريب بل قد يكون بعضهم ليس أهلا للاستشارة ..
وكذلك ما يحدث من بعض طلبة العلم فقد يقوم بعضهم باستشارة أحد مشايخه الذين اعتنوا به فترة من الزمن ثم فارقه إلى مكان آخر فيشير إليه ذلك المربي دون إدراك منه لطبيعة المكان الذي يعيش فيه المتربي والعمل الذي يعمله وظروفه وملابساته , كل هذه الأنواع من الاستشارات هي استشارات مستوردة فإن كملت من وجه نقصت من أوجه كثر ..
وهنا أحب أن أشير إشارة إلى عدة أمور يجب مراعاتها عند استشارتنا لبعض من نثق بهم وحتى تكون استشاراتنا أصلية غير مستوردة :
1) وردت الشورى في القران بأكثر من صيغة وفي أكثر من موضع بل في سياقات متعددة مما يدل على أنها ليست قضية عين وإنما هي منهج حياة , وأسلوب فقه وممارسة مستمرة ..
2) الاستشارة عبادة أمر بها ربك وشرعها لعباده فإن أنت عملت بها أجرت عليها ..
3) الاستشارة الشفهية في عملك استأنس بها ولا تبني عليها قرارا أو تشريعا ..
4) الاستشارة الشفهية في عملك لمعاملة لم يرد فيها نص أو تعميم ما لم تتبع باعتماد خطي فهي استشارة لا تعفيك من المساءلة.
5) لا تتوقع أن كثرة استشاراتك هي قدح في جدار شخصيتك بل هي رفعة لك, وتقويم لأدائك , وعمل بسنة نبيك , فاجعلها ديدنك ومنهجك .
وأكثر من الشورى فإنك إن تُصِب تجد مادحا أو تخطئ الرأي تعذرِ
6) تذكر أن الاستشارة في بعض الأحيان قد تكون عبارة عن وجهة نظر لا تعبر إلا عن رأي صاحبها
7) الاستشارة إذا سبقها تضرع وابتهال وإخلاص لله فاعلم أن خالقك لن يضيعك .
8) لكل رئيس أو وزير مجموعة من المستشارين فلنتعلم من مدرسة الرؤساء والوزراء أن يكون لنا مجموعة من المستشارين في شتى ميادين الحياة .
9) فرق بين الاستنجاد والاستشارة فالأول بعد وقوع الفعل والثانية قبل وقوعه .
10) استشارة أهل الخبرة الأمناء أقرب لحصول المقصود ونيل المنشود .
ولا تستشر في الأمر غير مجرب لأمثاله أو حازم متبصر
وقال الآخر :
ألم تر أن العقل زين لأهله ولكن تمام العقل طول التجارب
أقوال في الاستشارة :
* قال علي رضي الله عنه " الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه ".
* وقال بعض الحكماء : " ما استُنبط الصواب بمثل المشاورة ، ولا حُصنت النعم بمثل المواساة ، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر".
* قال ابن الجوزي : " ومن فوائد المشـاورة أنه قد يعزم على أمر ، فيبين له الصواب في قول غيره .. وقال قتادة : " وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا ، وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على أرشده ..
* وقال الحسن : " ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم "
* وقال الطبري : " فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك على تصادق وتآخ للحق ، وإرادة جميعهم للصواب ، من غير ميل إلى هوى ، ولا حيد عن هدى ، فالله مسددهم وموفقهم ..
وفقني الله وإياكم إلى قول الصواب وفعله واقتفاء هدي نبيه عليه الصلاة والسلام .. والسلام ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق